¤ الرد على الشبهات تفصيلا:
= الشبهة الثالثة عشرة:
1= ما رُويَ عن عتبة بن غزوان عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا ضل أحدكم شيئًا أو أراد عونًا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني فإن لله عبادًا لا نراهم».
* الــرد:
قال الحافظ الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم، إلا أن يزيد بن علي لم يدرك عتبة، وقال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: أخرجه الطبراني بسند منقطع عن عتبة بن غزوان مرفوعًا، وزاد في آخره: «وقد جُرِّب ذلك»، ثم قال الحافظ: كذا في الأصل -أي الأصل المنقول منه هذا الحديث من كتاب الطبراني- ولم أعرف تعيين قائله، ولعله مصنف المعجم، والله أعلم، قال الشيخ الألباني: وأما دعوى الطبراني بأن الحديث قد جُرِّب، فلا يجوز الاعتماد عليها، لأن العبادات لا تثبت بالتجربة.
2= ما رُويَ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا إنفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله إحبسوا، يا عباد الله إحبسوا، فإن لله حاصرًا في الأرض سيحبسه».
* الـــرد:
قال الحافظ الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني وزاد سيحبسه عليكم، وفيه معروف بن حسان وهو ضعيف.
3= ما رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله.
*الـــرد:
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة 2 / 109: وأخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ: «إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني». قال الحافظ كما في شرح ابن علان 5 / 151: هذا حديث حسن الإسناد غريب جدًا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وحسنه السخاوي أيضا في الابتهاج وقال الهيثمي: رجاله ثقات، قلت أي الألباني: ورواه البيهقي في الشعب موقوفًا كما يأتي... ثم قال الشيخ الألباني: وقفت على إسناد البزاز في زوائده ص 303: حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم، على ضعف في حفظه، قال الحافظ في التقريب: صدوق يهم، وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة، ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 13 / 52- 54 ترجمة جيدة. نعم خالفه جعفر بن عون فقال: حدثنا أسامة بن زيد.... فذكره موقوفا على ابن عباس، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2 /455، وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل، فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين، فالأول منهما لم يجرح بشيء، بخلاف الآخر، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي، وقال غيره: كانت فيه غفلة، ولذلك قال فيه الحافظ: صحيح الكتاب، صدوق يهم، وقال في جعفر: صدوق. ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة، والأرجح أنه موقوف، وليس هو من الأحاديث التي يمكن القطع بأنها في حكم المرفوع، لإحتمال أن يكون ابن عباس تلقاها من مسلمة أهل الكتاب، والله أعلم، ولعل الحافظ ابن حجر لو إطلع على هذه الطريق الموقوفة، لإنكشفت له العلة، وأعله بالوقف كما فعلت، ولأغناه ذلك عن إستغرابه جدًا، والله أعلم اهـ.
تنبيه: قولهم: رجاله رجال الصحيح أو رجاله ثقات، ليس تصحيحا للحديث، لأن من شروط الحديث الصحيح أن يسلم من العلل التي بعضها الشذوذ والإضطراب والتدليس، وعليه فقول بعض المحدثين في حديث ما: رجاله رجال الصحيح أو: رجاله ثقات أو نحو ذلك، لا يساوي قوله: إسناده صحيح، فإن هذا يثبت وجود جميع شروط الصحة التي منها السلامة من العلل، بخلاف القول الأول، فإنه لا يثبتها، وإنما يثبت شرطًا واحدًا فقط وهو عدالة الرجال وثقتهم وبهذا لا تثبت الصحة كما لا يخفى.
تنبيه آخر: قد يَسْلَم الحديث المقول فيه ذلك القول من تلك العلل ومع ذلك فلا يكون صحيحًا، لأنه قد يكون في السند رجل من رجال الصحيح ولكن لم يحتَجّ به، وإنما أخرج له استشهادًا أو مقرونًا بغيره لضعف في حفظه، أو يكون ممن تفرد بتوثيقه ابن حبان، وكثيرًا ما يشير بعض المحققين إلى ذلك بقوله: ورجاله موثقون إشارة إلى أن في توثيق بعضهم لِينًا، فهذا كله يمنع من أن تفهم الصحه من قولهم الذي ذكرنا.
4= قال أحد دعاة الصوفية المعاصرين بعد أن استشهد بالحديث: ولا يبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين، فهي أجسام نورانية باقية في عالمها.
*الــــرد:
-أولًا: من أين لك هذا؟ كيف يقال: إن أرواح الصالحين أجسام نورانية مع أن الله عز وجل قد قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:85]، قال الحافظ ابن كثير: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: من شأنه، ومما استأثر بعلمه دونكم، ولهذا قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} أي: وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى.
-ثانيًا: بقاء أرواح الصالحين في عالمها ليس دليلًا على أنها تنفع أو تضر، فالحياة البرزخية حياة لا يعلمها إلا الله تعالى، وليس لها أية علاقة بالحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة، فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ماهيتها، وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيًا، وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتًا ولا صفات، والله سبحانه يقول: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]، والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء، لاسيما وأن الله تعالى يقول: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل:80]، ويقول سبحانه: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].
قال الشيخ الألباني: فهذا الحديث -إذا صح- يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول: «يا عباد الله» إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بيِّن لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولو سمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ*إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر13– 14].
الكاتب: شحاتة صقر.
المصدر: موقع دعوة الانبياء.